Loading...
gravatar

هدنْ أعصابك هدنْ..


ما أسهل التعامل مع الكتّاب الحقيقيين المحترفين. إنهم ينظرون إلى العالم وإلى الناس وإلى الأشخاص المحيطين بهم وإلى نقادهم وجمهورهم ببساطة تامة، ويتكلمون ببساطة أيضا، ويناقشون أخطر المسائل دون أن يكونوا بحاجة إلى التشمير عن سواعدهما.
الكتاب المزيفون يشعرون بالخطر دائما، لهذا تجدهم متشنجين وفي حالة تأهب مستمرة، يغمضون عينا واحدة وينامون بينما العين الثانية مفتوحة. إنهم مستعجلون ويريدون الوصول بأقصى سرعة؛ فلا وقت لديهم للمرح ولتلقي العبارات التلقائية المجاملة، فهم يتقدمون وأعمالهم جارية على قدم وساق.
- الو.. آه أنت كيف حالك.. هل أنت بخير كيف حال العائلة.. الزوجة.. الأولاد.. ماذا قلت لي.. إذا أنت بخير..؟... وهكذا.
يطلقون سيلا من الأسئلة ولا يعطونك فرصة لتخبرهم عن حالك.. طقم عبارات معد سلفا، لا فاصل صمت، لا فرصة لالتقاط الأنفاس. إنك بخير بالنسبة إليهم وهذا أهم ما في الموضوع.
المشرقيون يقولون: "فلان رايق"، ويبادرون المتشنج بالقول له :"خذ لك كأس شاي وروق". الجزائريون يقولون: "فلان شايخ" ويتلفون أعصاب المتشنج بالقول له:"هدن أعصابك هدن"..
إنها تعابير نتعلمها من الناس البسطاء، أو نتعلم منها.
السياسيون في بلانا يتكلمون بحزم أيضا، وهذا متوقع بالنظر إلى أن أغلبهم تلقى تكوينه السياسي في حزب ثوري. المشكلة أن أغلب الأدباء يتكلمون أيضا بحزم، وأكثرهم فاقد لروح الدعابة. إنه يربط حزامه ويشد عضلات بطنه وهو يكلمك.
دائما كنت أفكر بضرورة أن تنشئ الحكومة وزارة للمرح حتى نتخلى عن جديتنا الزائدة عن الحاجة.
لكن الحكومة لدينا أيضا غير مرحة ووزراؤها جادون، إلا أنهم يتقبلون النقد وهذا يحسب لهم.
في الجزائر يكتب الصحفيون مقالات ينتقدون فيها الرئيس، وبعضهم يتناول أحيانا وبكثير من التجريح شخصية رئيس الحكومة، أما أعضاء الحكومة فحدثْ ولا حرج، إنهم باستمرار محل أنظار ويتلقون النقد والكلام القاسي صباح مساء.
الأدباء يكتبون ضد الجميع ويطالبون بالحرية في التعبير وهذا حقهم بالتأكيد، لكن الغريب في الأمر أن الغالبية منهم لا تتقبل النقد.
عندما تقول رأيك بصراحة في كتابات أحدهم تقوم الدنيا ولا تقعد، ويتنامى لديك إحساس بالخوف من أن خطرا ما يتهددك، لكن في الغالب لا يحدث لك أي شي، فتقول في سرك: الحمد لله أن هؤلاء الأدباء ليسوا وزراء في الحكومة ولا قادة في الجيش وإلا لكان بيتك قد تعرض للقصف.
سالت أحد الأصدقاء عن هذا النوع من الأدباء فقال لي: "هذوك أدباء مزيرين".

-------------
بقلم : علي مغازي/ شاعر وكاتب جزائري
عن جريدة الجزائر نيوز -أحاديث مبللة-


أحدث المواضيع

الأرشيف

سجّل معنا ليصلك جديدنا

أدخل بريدك الإلكتروني:

كن صديقي