مارلين هاكر ترثي محمود درويش: مات الذي كنت أجرؤ أن أدعوه أخا
الشاعرة الأمريكية المتوجة بالأركانة المغربية بدت خلال الاحتفال بفوزها أسيرة خجل وارتباك٬ تواضع ودهشة٬ أمام ترحاب والتفاف جغرافية أدبية وإنسانية.

ميدل ايست أونلاين / Published: 2012-02-13
الدار البيضاء (المغرب) ـ نزار الفراوي
تقدم الشاعرة الأمريكية مارلين هاكر نموذجا بارزا لتجربة شعرية تعتبر القصيدة شهادة على أوجاع العالم وانكسارات القيم الإنسانية٬ بقدر ما تكون توثيقا فنيا للتفاصيل اليومية التي يخرجها القول الشعري من حالتها البديهية لتكتسي دلالات وصورا جمالية خلاقة.
ورغم أن النقد العالمي يحتفي بتجربة مارلين هاكر بوصفها أحد أبرز الأصوات في الشعر الأمريكي المعاصر٬ إلا أن الشاعرة بجائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر في المغرب٬ في إطار معرض الدار البيضاء للكتاب٬ قصية عن موطن المتوجة بالجائزة٬ علما أن الشاعرة سبق أن زارت المغرب قبل ثماني سنوات للمشاركة في المهرجان العالمي للشعر. وإذ تؤمن مارلين هاكر بالدور المحرض للشعر على فضح ألوان العنف والحيف سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي وإعلاء شأن القيم الإنسانية النبيلة للحرية والعدالة عبر تاريخ الأدب٬ فإن تجربتها هي الأخرى غدت مصدر إلهام لنخبة أدبية في الغرب٬ كونية الأفق ومنصتة لعذابات مناطق وشعوب تواجه الظلم والاحتلال والبؤس.
لم تنتظر الشاعرة الأمريكية أن تأتيها الحكاية٬ بل بادرت إلى فتح خطوط التواصل مع مختلف الجغرافيات الإقليمية٬ لا سيما من بوابة الشعر٬ لتصبح الروافد الثقافية المختلفة سبيلها لتوسيع عالمها الشعري المتفاعل مع انتظارات قرائها في سائر الأنحاء. وها هي تجد إقامة ثانية في الأدب الأوروبي٬ وخصوصا الانجليزي والفرنسي٬ بل تسعى منذ ثلاث سنوات إلى تعلم العربية من أجل تغلغل أعمق في أسرار قارة ثقافية تراها جديرة بالاستكشاف والتملك. تحدثت مارلين بلغات ثلاث. قرأت نخبة من قصائدها بالانجليزية. قدمت لتجربتها وتصورها للشعر٬ كوظيفة وكأفق٬ بفرنسية رفيعة٬ غير أنها أصرت على أن تتجشم بين الحين والآخر كلمات بلغة الضاد٬ وإن جاء نطقها عسيرا٬ فإنها كشفت عن الوجه الإنساني النبيل لهذه الأديبة التي صدحت بانفعال هادر٬ توارى أمامه وهن الجسم المعتل بداء السرطان المتثاقل بتعب عقوده السبع: "حمص هي غزة. وغزة هي حمص.. سأكون معهم.. سواء خرجوا من الكنيسة أو الكنيس.. من الجامعة أو الجامع"٬ في إشارة الى تضامنها المطلق مع الشعب السوري في مسعاه إلى الحرية.

إلى روح الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش٬ أهدت مارلين هاكر قصيدتها "جديلة ثوم"٬ حيث تقول "ماذا يأتي مع تغير الفصول سوى الخسارة. مات الذي كنت أجرؤ أن أدعوه أخا٬ بتلك البقية من الحياة الجاثمة على كتفه٬ كغراب بين. ألقى رمية النرد الأخيرة. التقى محاوره الأفضل والأخير أياما قبل أن يضطجع على سرير الجراح الذي قد وقد لا يطيل عمر المقامرة". وفضلا عن علاقتها بالراحل الذي تقول إنه "منح العالم رائحة قهوة أمه"٬ كونت الشاعرة الأمريكية صداقات واسعة مع رموز الأدب العربي٬ من عيار الشاعر العراقي سعدي يوسف٬ ومن زخم عبورها الباريسي المطل على ساحة الأدب المغاربي٬ تشكل لها تقدير كبير لأسماء من قبيل كاتب ياسين ومحمد خير الدين ومصطفى النيسابوري٬ وأساسا عبد اللطيف اللعبي.
"التجديد في اللغة والأساليب। الإنصات لأنين البشر وعذاباتهم. الكثافة الغنائية المثيرة" بضع سمات تصنع فرادة وعمق التجربة الشعرية لمارلين هاكر٬ حسب ناشرة مجلة بانيبال الشهيرة ورئيسة لجنة تحكيم الأركانة٬ مارغريت أوبانك٬ رغم الظلال السوداء التي تخيم على قصائد يعد الموت٬ المتأتي من المرض والعنف والحرب٬ أبرز تيماتها. فحضور الموت - كما جاء في تقرير لجنة تحكيم الجائزة - "ظل مسيجا بما يضعف الهلع المتولد منه٬ إذ ظلت قصائد الشاعرة مضمرة لمحبة الحياة والاقبال عليها٬ وهو ما شكل رؤية ثاوية وراء كتابتها الشعرية". في قصيدة "أنباء صباحية" (ترجمة أحمد أحمد) التي نشرت في كتاب "قصائد لفلسطين" (بالانجليزية)٬ تقول مارلين هاكر: "هل قوطع الدرس بسبب نيران البنادق / أكان هناك ذعر. صمت / ألا تزال ثمة صورة ممزقة تضم أولادا في مطبخ المدرسين / أهم هناك يتلقون بانتباه دروس زمن الحرب٬ مستعينين برموز بديلة للبيت. للكتاب. للخبز". (ماب)
أيّام من سنة 1999
شعر: مارلين هاكر
ترجمة: أحمد أحمد
في إحدى ظهيرات شهر آب
المشرقة، في عودتي من حديقة ورودٍ
متوارية خلف شارع ڤيلاردوان،
فكّرتُ، طليقةً، مأخوذةً، فيما لو تسنّى لي أن أعيشَ وحيدةً
لكان باستطاعتي البقاء هنا
ثم أشحتُ الفكرةَ عنّي
بنفس الحدّةِ والاستهجان لفكرةِ ” ثمة احتمالٌ
لمطرٍ قادم” لأنني أردتُّ فقط أن يكون لي الخيار،
وقد اخترتُ، أكثر من مجرَّد حصىً
وعرائش، أكثر من مجرّد بَرَكَةِ
رائحة الأرغفة الطّريّة التي تنبعثُ من المخبز،
بَرَكَة الوردة البيضاء التي تفتحتْ للتوّ،
أكثر من مجرّد الصفحة الخاوية لسماء بلا غيوم،
لكي أفيَ الخيارَ حقَّه، مُتَمَلِّيَةً فيه كلّ يوم
مع أن الفكرة تقلّصتْ إلى
فوحِ خبزٍ ساخن ودعابة أولادٍ
في عطلة من دونِ وظائف بيتية
خيارلم أتخذه قطّ قد اتُّخِذَ نيابةً عني
في ذهنٍ آخرَ، بلادٍ أخرى-
حسبتُ أنّ ثمةَ حقّاً لي فيها، ما أدركتُ
أنه لم يحدث أبداً، كأنّ تلك الموجة الدافئة أتاحتْ لي الانجرافَ
دونما مرفأٍ في الأفق.
يغسلُ رذاذُ الربيع حديقة الورود المتوارية؛
خبزُ المساء ينتفخُ في الفرن:
كلمةُ ما بعد الظهيرةِ تُردِّدُ صدى “وحيدة”
كسماءٍ، يتيمة
في محنتها اليوميّة الكئيبةِ
تفشي أسئلةَ المطرِ المكرورة.
تعتبر مارلين هاكر Marilyn Hacker، واحدة من أهم الشعراء في أميركا اليوم. وقد حصلت على العديد من الجوائز الادبية. تقيم بين باريس ونيويورك، وهي في هيئة التحرير الاستشارية لمجلة بانيبال.
تقدم الشاعرة الأمريكية مارلين هاكر نموذجا بارزا لتجربة شعرية تعتبر القصيدة شهادة على أوجاع العالم وانكسارات القيم الإنسانية٬ بقدر ما تكون توثيقا فنيا للتفاصيل اليومية التي يخرجها القول الشعري من حالتها البديهية لتكتسي دلالات وصورا جمالية خلاقة.
ورغم أن النقد العالمي يحتفي بتجربة مارلين هاكر بوصفها أحد أبرز الأصوات في الشعر الأمريكي المعاصر٬ إلا أن الشاعرة بجائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر في المغرب٬ في إطار معرض الدار البيضاء للكتاب٬ قصية عن موطن المتوجة بالجائزة٬ علما أن الشاعرة سبق أن زارت المغرب قبل ثماني سنوات للمشاركة في المهرجان العالمي للشعر. وإذ تؤمن مارلين هاكر بالدور المحرض للشعر على فضح ألوان العنف والحيف سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي وإعلاء شأن القيم الإنسانية النبيلة للحرية والعدالة عبر تاريخ الأدب٬ فإن تجربتها هي الأخرى غدت مصدر إلهام لنخبة أدبية في الغرب٬ كونية الأفق ومنصتة لعذابات مناطق وشعوب تواجه الظلم والاحتلال والبؤس.
لم تنتظر الشاعرة الأمريكية أن تأتيها الحكاية٬ بل بادرت إلى فتح خطوط التواصل مع مختلف الجغرافيات الإقليمية٬ لا سيما من بوابة الشعر٬ لتصبح الروافد الثقافية المختلفة سبيلها لتوسيع عالمها الشعري المتفاعل مع انتظارات قرائها في سائر الأنحاء. وها هي تجد إقامة ثانية في الأدب الأوروبي٬ وخصوصا الانجليزي والفرنسي٬ بل تسعى منذ ثلاث سنوات إلى تعلم العربية من أجل تغلغل أعمق في أسرار قارة ثقافية تراها جديرة بالاستكشاف والتملك. تحدثت مارلين بلغات ثلاث. قرأت نخبة من قصائدها بالانجليزية. قدمت لتجربتها وتصورها للشعر٬ كوظيفة وكأفق٬ بفرنسية رفيعة٬ غير أنها أصرت على أن تتجشم بين الحين والآخر كلمات بلغة الضاد٬ وإن جاء نطقها عسيرا٬ فإنها كشفت عن الوجه الإنساني النبيل لهذه الأديبة التي صدحت بانفعال هادر٬ توارى أمامه وهن الجسم المعتل بداء السرطان المتثاقل بتعب عقوده السبع: "حمص هي غزة. وغزة هي حمص.. سأكون معهم.. سواء خرجوا من الكنيسة أو الكنيس.. من الجامعة أو الجامع"٬ في إشارة الى تضامنها المطلق مع الشعب السوري في مسعاه إلى الحرية.

إلى روح الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش٬ أهدت مارلين هاكر قصيدتها "جديلة ثوم"٬ حيث تقول "ماذا يأتي مع تغير الفصول سوى الخسارة. مات الذي كنت أجرؤ أن أدعوه أخا٬ بتلك البقية من الحياة الجاثمة على كتفه٬ كغراب بين. ألقى رمية النرد الأخيرة. التقى محاوره الأفضل والأخير أياما قبل أن يضطجع على سرير الجراح الذي قد وقد لا يطيل عمر المقامرة". وفضلا عن علاقتها بالراحل الذي تقول إنه "منح العالم رائحة قهوة أمه"٬ كونت الشاعرة الأمريكية صداقات واسعة مع رموز الأدب العربي٬ من عيار الشاعر العراقي سعدي يوسف٬ ومن زخم عبورها الباريسي المطل على ساحة الأدب المغاربي٬ تشكل لها تقدير كبير لأسماء من قبيل كاتب ياسين ومحمد خير الدين ومصطفى النيسابوري٬ وأساسا عبد اللطيف اللعبي.
"التجديد في اللغة والأساليب। الإنصات لأنين البشر وعذاباتهم. الكثافة الغنائية المثيرة" بضع سمات تصنع فرادة وعمق التجربة الشعرية لمارلين هاكر٬ حسب ناشرة مجلة بانيبال الشهيرة ورئيسة لجنة تحكيم الأركانة٬ مارغريت أوبانك٬ رغم الظلال السوداء التي تخيم على قصائد يعد الموت٬ المتأتي من المرض والعنف والحرب٬ أبرز تيماتها. فحضور الموت - كما جاء في تقرير لجنة تحكيم الجائزة - "ظل مسيجا بما يضعف الهلع المتولد منه٬ إذ ظلت قصائد الشاعرة مضمرة لمحبة الحياة والاقبال عليها٬ وهو ما شكل رؤية ثاوية وراء كتابتها الشعرية". في قصيدة "أنباء صباحية" (ترجمة أحمد أحمد) التي نشرت في كتاب "قصائد لفلسطين" (بالانجليزية)٬ تقول مارلين هاكر: "هل قوطع الدرس بسبب نيران البنادق / أكان هناك ذعر. صمت / ألا تزال ثمة صورة ممزقة تضم أولادا في مطبخ المدرسين / أهم هناك يتلقون بانتباه دروس زمن الحرب٬ مستعينين برموز بديلة للبيت. للكتاب. للخبز". (ماب)
أيّام من سنة 1999 شعر: مارلين هاكر
ترجمة: أحمد أحمد
في إحدى ظهيرات شهر آب
المشرقة، في عودتي من حديقة ورودٍ
متوارية خلف شارع ڤيلاردوان،
فكّرتُ، طليقةً، مأخوذةً، فيما لو تسنّى لي أن أعيشَ وحيدةً
لكان باستطاعتي البقاء هنا
ثم أشحتُ الفكرةَ عنّي
بنفس الحدّةِ والاستهجان لفكرةِ ” ثمة احتمالٌ
لمطرٍ قادم” لأنني أردتُّ فقط أن يكون لي الخيار،
وقد اخترتُ، أكثر من مجرَّد حصىً
وعرائش، أكثر من مجرّد بَرَكَةِ
رائحة الأرغفة الطّريّة التي تنبعثُ من المخبز،
بَرَكَة الوردة البيضاء التي تفتحتْ للتوّ،
أكثر من مجرّد الصفحة الخاوية لسماء بلا غيوم،
لكي أفيَ الخيارَ حقَّه، مُتَمَلِّيَةً فيه كلّ يوم
مع أن الفكرة تقلّصتْ إلى
فوحِ خبزٍ ساخن ودعابة أولادٍ
في عطلة من دونِ وظائف بيتية
خيارلم أتخذه قطّ قد اتُّخِذَ نيابةً عني
في ذهنٍ آخرَ، بلادٍ أخرى-
حسبتُ أنّ ثمةَ حقّاً لي فيها، ما أدركتُ
أنه لم يحدث أبداً، كأنّ تلك الموجة الدافئة أتاحتْ لي الانجرافَ
دونما مرفأٍ في الأفق.
يغسلُ رذاذُ الربيع حديقة الورود المتوارية؛
خبزُ المساء ينتفخُ في الفرن:
كلمةُ ما بعد الظهيرةِ تُردِّدُ صدى “وحيدة”
كسماءٍ، يتيمة
في محنتها اليوميّة الكئيبةِ
تفشي أسئلةَ المطرِ المكرورة.
تعتبر مارلين هاكر Marilyn Hacker، واحدة من أهم الشعراء في أميركا اليوم. وقد حصلت على العديد من الجوائز الادبية. تقيم بين باريس ونيويورك، وهي في هيئة التحرير الاستشارية لمجلة بانيبال.



