ما سر الظهور المفاجئ للأمير الحسن: هل يكون المخلّص، أم حصان طروادة؟!


الظهور المفاجئ للأمير الحسن أثار تساؤلات بعضها محق، وبعضها الآخر ذهب بعيدا في التخيلات والسيناريوهات المتوقعة والمقترحة।
ومصدر الدهشة التي يحملها الاهتمام الملحوظ بالحضور الإعلامي للأمير أن زمنا مرّ كان ذكرُ الأمير لا يحضر في الإعلام الرسمي، وكان جلساؤه يسمعون منه تبرما من الحكم، ومن الملك نفسه، حيث إن الأمير كان ينتقد الحكم مباشرة ومن دون مواربة، ويحمله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الأردن من ضعف في الحاكمية الرشيدة، وضعف آليات الشفافية والمساءلة، وغياب الحوار.
وترافقت شكاوى الأمير الحسن في الفترة السابقة من تضييق مالي عليه، ومن تهميش لدوره، ومحاصرة له كيلا يدلي بدلوه في القضايا الخلافية التي تزعج الملك والنظام. وسادت فترة يصفها مقربون من الأمير بما يشبه "القطيعة" بينه وبين القصر، حتى إن إشاعة تداولها الناس ذات مرة زعمت أن الأمير منع من السفر.
وإن تكن هذه التقولات تبالغ في معاينة واقع الحال، وتتأوّل في قضايا ملتبسة، إلا أن حوارا جرى مع الأمير على قناة "الجزيرة" الفضائية أثار أزمة كبرى عكست ما يعانيه الأمير من حصار، وما يتعرض له من ضغوط لتكميم فمه!!
فما الذي تغير الآن؟!
خلال يومين، صرح الأمير لشبكة الـ"بي بي سي" وتحدث في قضايا محلية وعربية، لكن أبرز ما قاله هو نقله كلاما عن الملك يتعلق بمحاولته الاتصال ببشار الأسد من دون طائل. وكان واضحا أن هذا التصريح يعكس تواصلا حميما بين الملك والأمير الذي انتقد سؤال المحطة البريطانية عن ضمانات عدم تعذيب السجين أبو قتادة في حال تسلمته السلطات الأردنية.
بدا رد الأمير عن هذا الأمر كما لو أنه شريك في الحكم، ومطلع على أروقة السياسة، ويعرف أولويات الحكم، وينطق بها، وهو أمر تبدى، بما لا يدع مجالا للشك في مقابلة التلفزيون الأردني، مساء الجمعة، على برنامج "ستون دقيقة".
الأمير الحسن تحدث في مختلف المواضيع، وبدا أنه كان يتجاوز الأسئلة، ليوصل رسائل محددة رأى فيها مراقبون أن الأمير يتهيأ لمرحلة ما، ويُعد له دور ما في الفترة المقبلة؟
ولكن ما طبيعة هذا الدور وماهيته؟
ثمة من يذهب إلى أن الملك يريد أن يستعين بخبرة الأمير من أجل عبور مرحلة متأزمة لم يسبق للأردن أن مرّ بها طوال تاريخه، وهي أزمة تهدد نظام الحكم الذي دافع عنه الأمير بضراوة، كما هزيء من المنادين بالملكية الدستورية: "من يقول في دستورية الملك أو غير دستوريته يفتح الطريق لكل طماع ليصل للسلطة".
الأمير بدا مدافعا عن النظام بشكل غير مسبوق، خصوصا وأن ما فنده في "ستون دقيقة" كان يتحدث فيه في المجالس الخاصة، بل وعلى نحو أشد وأكثر عنفا. فما سر هذا الانقلاب الأخير؟!
في إطار التحليلات التي لا سند يدعمها، يقال إن هناك رغبة لدى العائلة المالكة لتجميع صفوفها، كي تكون ذات خطاب موحد، وأن لا تسمح للثغرات أن ينفد منها ما يسئ إلى رمزية العائلة الهاشمية وشرعيتها: "نحن نتحدث عن ملك هاشمي وريث رسالة، والرسالة تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر عندما التفّ أحرار العرب حول رسالة النهضة العربية، فالشريف حسين بن علي ومن ثم فيصل الأول في معركة ميسلون عام 1920 . نحن أتينا إلى هذه الديار قبل عام 1922 ولم نأت طامعين في عقد تضامن مع الشعب الأردني، كما يقول بعض النقاد لهذه المسيرة".
وما يجعل عودة بروز الأمير الحسن من جديد بعد فترة من الغياب والتغييب، مدعاة للأسئلة عن مغزى هذه العودة وامتداداتها، هو الاهتمام الإعلامي بالمقابلة، والدعوة إلى تفريغها كاملة، وهو ما لم يكن يحصل من قبل، حتى إن الصحف اليومية، باستثناء "العرب اليوم" تأخرت، رغم العواصف والأمطار وانتظار الثلوج، في الطباعة، بانتظار أن ترسل وكالة الأنباء الأردنية (بترا) المقابلة محررة و"منقحة"، كي تنشرها الصحف كاملة. ومثل هذا الأمر له دلالات واسعة!
فهل سيكون للأمير الحسن دور سياسي في المرحلة المقبلة. وبأي صفة سيمارس هذا الدور. وهل يساعده في مهمته "طخه" على الحراك الشعبي، وتقزيمه له وقوله "عندما يجتمع 20 او 30 شابا ويطالبون باسم الشعب أقول من خولهم ومن كلفهم" بذلك. ثم قوله المبطن بالتهديد لمن يشارك في حراك ساحة النخيل الأسبوعي: لو وصلت لساحة النخيل "لأنخلكم كلكم"؟!!
وهل يغامر الحكم في إطلاق العنان لتصريحات الأمير/ المفكر الذي يقرأ السياسة بعيون تأملية أحيانا. وما الذي سيستتبعه تصريح الأمير بخصوص دول الخليج: "اللي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة" ردا على انتقادات بعض شيوخ الخليج لأسلوب العمل والاتهامات بالفساد من قبل بعض وسائل الإعلام في الأردن.
المرحلة المقبلة ستكشف أكثر عن طبيعة الدور المسنود للأمير، إذا كان ثمة دور أصلا. فهل يكون الأمير "حصان طروادة"؟!
18 فبراير ,2012