Loading...
gravatar

لا تكونوا أذكياء أكثر من اللازم...



ليس أسوأ من الغباء إلا الذكاء الأكثر من اللازم، فهو الطريق لخلق حالة سوء فهم قد تفضي إلى مآزق يصعب الخلاص منها. هذا ما يحدث بين الأزواج غير السعداء ويحدث بين الأزواج المتوهمين أنهم سعداء، وبين المناضلين المتزعمين لأفكار نيرة وفريق المؤيدين لهم والتابعين بإذعان إلى يوم الدين، ويحدث بين رجل السلطة والموالاة وهكذا.
والواقع أن الذكاء الأكثر من اللازم يفسد أساليب تعاملنا مع الآخرين إذ نتصرف من خلاله وفق فهم مسبق إزاءهم، ويفسد نظرتنا لأساليب تعامل الآخرين معنا إذ ننتظر منهم أن يواكبوا مستوى ذكائنا ويتصرفوا حسب ما نتوقعه منهم.
الزوجة التي أوحى لها مشهد في مسلسل تلفزيوني أن تثير غيرة زوجها فتدعي أن مديرها في العمل أثنى على أسلوبها في اختيار اللباس المناسب لها، هي من النوع الذكي أكثر من اللازم، لأنها تريد من زوجها أن يجاريها في هذا الذكاء فيجعل رياحه تجري بما تشتهي سفنها ليمثل أمامها دور الزوج الغيور الحانق على مدير سولت له نفسه أن ينظر إلى زوجته بعين الإعجاب لطريقتها في اللباس. وهكذا ترضي الزوجة غرورها باكتمال المشهد كما تخيلته سلفا. لكن ما يحدث في الغالب أن الزوج باستعمال ذكائه يتوقع أن زوجته بادعائها هذا إنما هي تمتحن مدى قبوله لها كامرأة تحظى بإعجاب الآخرين. لهذا يجيبها وفق هذا الاعتقاد قائلا:لا شك أن مديرك صاحب ذوق رفيع، فأنت تستحقين كل الثناء. ويكون رد فعل الزوج بهذا الأسلوب مختلفا عن رد فعل البطل إزاء البطلة في مشهد المسلسل الذي استوحت منه الزوجة فكرتها، وهذا يجعلها تشعرُ بخيبة أمل لخروج زوجها عن السيناريو الذي توقعته. وفي آخر الأمر تكتم غيضها أو قد تتجرأ وتصرخ في وجهه: "لماذا تتجاهل أحاسيسي دائما.. لماذا لم تقمْ بإحراق البيت لأشعر بغيرتك علي!!؟..". ثم تنصرف وهي تقول في سرها: "رجل بارد".
المناضل الذي يعتقد أن أسلوب حياته كخطاباته تماما هي محل أنظار الجميع. فهو من خلال حركاته وسكناته وهزله وجده وهدوئه وغضبه... إنّما يُمرّر رسائل ضمنية ذات أهمية، وعلى الآخرين تلقيها واعتبارها مرجعا هاما لتفسير طريقته في النضال. إنه يعتمد على ذكاء أتباعه لتخليد تراث سيرته وأحاديثه العابرة للأجيال.. كم هو واهم..!!.. فلا أحد يهتم بهذا. وعلى الأرجح أن هذا المناضل سيموت وحيدا، ولن تجد حتى الجرائد البائسة مساحة صغيرة لنشر خبر وفاته.
رجل السلطة يبادر لطرح ملف شائك يريد استثمار المشكلات المترتبة عن فتحه من خلال الإبقاء عليه مفتوحا، فهو لا يريد الوصول إلى حل نهائي، كما لا يريد إثارته إلا في أوقات معينة حتى يتسنى له تحقيق مكاسب في قضايا أخرى. لكن ما يحدث أن المولاة تتحمس للموضوع فتخترع خططا بالغة الذكاء لتسهيل مهام الطرف الآخر دون محاولة فهم ما يريده منها بالضبط ذلك أنها تسعى لإثبات الولاء التام، ذلك الولاء الذي سرعان ما يستحيل إلى عبء أثقل من عبء المعارضة. وهكذا يجد رجل السلطة نفسه مجبرا على معاقبة مؤيديه على ما ارتكبوه من أخطاء أفضت إلى فشل مشروعه. إنه يعاقبهم بشدة وهم إلى الآن لا يفهمون لماذا فعل بهم ذلك..!!..

-------------
بقلم : علي مغازي/ شاعر وكاتب جزائري
عن جريدة الجزائر نيوز -كتابات مبللة-

أحدث المواضيع

الأرشيف

سجّل معنا ليصلك جديدنا

أدخل بريدك الإلكتروني:

كن صديقي